دراسـة في رسالة يعـقوب 5


رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس الخامس
الاصحاح الأول

نُكمِّل معاً الإصحاح الأول الذي يتناول مرحلة هامة في حياة كل مؤمن بالرب يسوع، ألا وهي الفرح في الأوقات الصعبة، خاصة حين يسمح الرب بعبورنا أو باجتيازنا تجارب وامتحانات متنوعة.. ولكن هناك أمر هام وهو الإيمان، لأنه الطريق لامتلاك العطايا الإلهية، فمن لا يطلب بثقة متوقعاً الاستجابة .. عليه أن لا ينتظر أن ينال شيء بل هو أيضاً خادع لنفسه. لماذا؟ "فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب. "فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ " (يعقوب ١: ٧، ٨).
يبدأ يعقوب الجملة بكلمة "رجل" قبل أن يذكر الصفة. وفي التركيب اللغوي هذا تأكيد أكثر على حقيقة ما يُقال.
رأيين: كلمة هامة تترجم أحياناً بمعنى قلب فقلب، أي كما لو كان له شخصيتين أو نفسين أحداهما تصدق والأخرى تشك.
هذا الإنسان صاحب هذا النوع من الشخصية يتصف بالتقلقل أي عدم الثبات، والتأرجح ما سبب هذا؟؟
غياب الأساس المتين القوي المتماسك.. هذا النوع من الشخصيات يثق أحيانـًا في كلام الرب، ولا يثق في كلامه في أوقات أخرى. النتيجة تردد دائم، لأنه يشك في محبة الله له، وأمانته وحكمته وعنايته، نقدر أن نسميه منقسم الذهن لأنه غير واثق بالقدر الكافي في الرب.
ولعل هيرودس الملك الذي كان يهاب يوحنا المعمدان عالمـًا أنه رجل بار وقديس ويسمعه بسرور، ولكنه في نفس الوقت يرسل سيافـًا ويأمر أن يؤتى برأسه.  مرقس ٦: ٢٠، ٢٧يوضح لك الرجل ذو الرايين، أولئك الذين يصفهم داود قائلاً: "يَتَكَلَّمُونَ ... كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ صَاحِبِهِ .. بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ" (مزمور 12: 2) ، أما بنو زبولون الخارجين للحرب ولهم قلب واحد فنسميهم بلا قلب فقلب (١ أخبار الأيام ١٢: ٣٣).
انتبه إذن ولتكن صلاتك باستمرار " وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ " (مزمور ٨٦: ١١)
ننتقل إلى جزئية جديدة ينبه فيها يعقوب قارئ رسالته إلى مبادئ هامة
"وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ، لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ. " (٩، ١٠).
الأخ: إشارة إلى وجود علاقة روحية، أي من أهل بيت الله (أفسس ٢: ١٩).
المتضع: الكلمة اليونانية تشير إلى من لا يرتفع سوى قليلاً عن الأرض، كما تـشـير إلى حالة ذهنية ووضع عام بسيط، وفقير أو مسكين.
ربما يعتقد الفقير أي المُجرَب والمضطهد أو من سلبت أمواله بسبب إيمانه بالمسيح، يريد أن يقول له أنت أيها الأخ، وإن كنت خارجياً ظاهر أنك مسكين وفقير، افرح وافتخر بالغنى الذي لك في المسيح.
أولاً: لك رجاء موضوع في السماويات.
ثانيـا:ً كونك أمين لله فأنت وارث لله بالمسيح (غلاطية ٤: ٧).
أولئك المتضعين الذين قال عنهم بولس " كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْء"  (٢كورنثوس ٦: 10). ثم يتحدث للأغنياء ولكن لا يقول الأخ لئلا يُظن أنه يحابي للأغنياء... يوجهه قائلا ً لا تتكل على ما لديك ولا تفتخر بما لديك. بل بالحري تفتخر بما لك في المسيح. لأن الغنى سهل جداً أن ييبس ويذبل مثل الزهر الذي للعشب السريع الجفاف.

قد تتساءل لماذا إهتم أن يسهب في وصيته للغني واختصر كلماته للفقير؟؟
أولاً: كلاهما أعطي مكانة جديدة في المسيح ولكن بسبب قصر الحياة الزمنية وهذه حقيقة للاثنين ولكنه يؤكدها للغني لأنه من السهل أن ينساها وسط رغدة الحياة.
والغنى شيء وقتي كالعشب في الحقل. يُـزهر سريعاً ويذبل سريعاً (إشعياء ٤٠: ٦)، مع تتابع الأحداث بسـرعة، أي أن هناك فترة قصيرة بين المتغيرات كما وصفها: أشرقت، فيبست فسقط !
لأن الشمس الحارقة في أرض فلسطين مع الريح الجنوبية الشرقية الحارة تحرق الأعشاب الخضراء في ساعات قليلة هذه هي الزهرة الجميلة المنظر ذات الجاذبية عند وقت الظهيرة تحترق بسبب الحرارة.
" هكَذَا يَذْبُلُ الْغَنِيُّ أَيْضًا فِي طُرُقِهِ "
كلمة "طرقه" تشير في أصل الكلمة إلى رحلة أو سفرية، وهي نفس الكلمة في "وَاجْتَازَ فِي مُدُنٍ وَقُرًى" (لوقا ١٣: ٢٢) تعبير عن الحياة والنشاطات المختلقة للغني بينما هو منشغل في نشاطاته غير مدرك أن النهاية قد تكون قريبة جداً ولكن.
"طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (١٢).
كلمة تجربة في أصلها اليوناني = فحص، امتحان وليس إغراء (لأن الإغراء يحتاج إلى مقاومة لا احتمال)
طوبى = تعبير شائع يشير إلى نوعية وحالة من السعادة الداخلية وفرح لا يعتمد على الظروف الخارجية.
رجل=  تستخدم في الإشارة إلى ذكر وأنثى،
أما يحتمل = تشير للشجاعة والثبات في وقت الامتحان حتى نهايته، والمعنى هنا لا يعبر أنه لن يُهزم أبداً ولكن يعبر عن الصمود حتى يتبدل الفشل ليصير نجاحـًا
أما التعويض والمكافأة فيأتيان بعد نهاية الامتحان...
تزكى = كلمة يوناينة تستخدم في الكشف عن العملات المعدنية لمعرفة مدى أصالتها. والمؤمن أيضاً يحتاج أن يبرهن على أصالته.
أما كلمة ينال = تشير للتعويض المستقبلي ولكنه مؤكد بلا شك. وهو يشير لتعويضات سماوية وليست أرضية.
ـ ما هو أكليل الحياة؟؟ "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (رؤيا ٢: ١٠).
" مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ (١ يوحنا ٥: ١٢).
وكلمة إكليل تشير للسعادة والغنى والفرح، "وَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا مِنْ إِبْرِيزٍ" (مزمور ٢١: ٣).
"الذي وعد به الذين يحبونه".
للمرة الأولى في هذه الرسالة تعبير "لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" هناك بركات كثيرة لمن يحبون الرب ما هي.. أولئك الذين يحبون ظهوره (٢تيموثاوس ٤: ٨).
تصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي (خروج ٢٠: ٦).
"يَحْفَظُ الرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ" (مزمور ١٤٥: ٢).
" وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ " (رومية ٨: ٢٨).
مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ (١كورنثوس ٢: ٩).

لأن الحب هو جوهر الإيمان الحقيقي.. إذا اختفى الحب هناك يملك الموت. من يحب الرب حقاً يحفظ وصاياه (يوحنا ١٤: ١٥، و١يوحنا ٢: ٥ ـ ٦). ولم يقل إكليل الحياة للذين يطيعونه بل للذين يحبونه لأن المحبة تسبق الطاعة.
الروح القدس هو الذي يستطيع أن يساعدنا أن نحب الرب من كل القلب والفكر والقدرة لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رومية ٥: ٥).
الخلاصة إذن:
أن المؤمن الناضج من يحب الرب ويثق في محبة الرب له لن ينهار حين يسمح له الرب أن يجتاز في تجارب أو امتحانات، هو مطمئن في محبة الرب له. كان إبراهيم يحب الرب ويثق في محبة الرب القوية له، لما جاء وقت الامتحان نجح وبامتياز وإيمان ناضج. إذن قصد الله من الامتحانات هو أن نكون ناضجين والصبر يكون له عمل تام في حياتنا هل هذا ما تريده أنت ؟؟؟

أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
بعد قرائتك للدرس السابق، ابحث عن إجابة لهذه الأسئلة
ـ في متى ١٤: 31 حين بدأ بطرس يغرق وبخه يسوع "لماذا شككت" أين الشاهد في درسنا اليوم الذي يؤكد ضرورة توبيخ يسوع له. وماذا عن ما جاء في (أفسس ٤: ١٤)، يؤكد هذا المعنى.
ـ توجد أسباب لغياب استجابات الصلاة منها ما جاء في دراستنا اليوم وما جاء في ما يلي من شواهد. اشرح تثنية ١: ٤٥، مزمور ٦٦: ١٨، أمثال ١: ٢٤ ـ ٢٨، ٢٨: ٩، إشعياء ١: ١٥، إشعياء ٥٩: ٢، وميخا ٣: ٤، وزكريا ٧: 3، ١٣.
ـ المؤمنون إخوة في جسد واحد رأسه المسيح فتش عن هذا في (١كورنثوس ١٦: ٢٠، ١ تسالونيكي ٥: ٢٦، و١تيموثاوس ٦: ٢).
ـ جاء في (رومية ٥: ٣، وأعمال ٥: ٤١) معنى يتفق مع أحد الأعداد التي شرحناه اليوم ما هو وما هو المعنى.

يمكنك ارسال أي مشاركات أو استفسـارات إلى البريد الالكتروني:   salam_akeed@yahoo.com

"طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (يعقوب 1: 12).