دراسـة في رسالة يعقوب 6


رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس السادس
الاصحاح الأول

"لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ." (عبرانيين 4: 15)  "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عبرانيين 7: 26)
بعد أن تناول يعقوب في الأعداد السابقة ضرورة أن يجتاز المؤمن بامتحانات متنوعة لأجل تقوية الإيمان والتنقية والنضج الروحي ينتقل إلى مقطع آخر يريد التأكيد فيه على حقيقة هامة ترفض الفكر الشائع حين ذاك، وهي أن الله القدوس قد يُجرب بالشرور " لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا." (عدد ١٣). تبدأ العبارة بأداة النفي (لا) يتبعه فعل أمر في المضارع (لا تقل) وهذا يعني الرفض المطلق لفكرة أن الله مُجرِّب، حتى لو استمرت التجربة، (أني أُجرب) وفي ترتيب الجملة في اللغة اليونانية التي كُتبت بها الرسالة إشارة إلى أن الله ليس هو المصدر المباشر للتجربة.
كان هناك اتهام يخرج من البعض أحيانا، وكأن الله هو الفاعل الواقف وراء التجربة أو المتسبب فيها، وإذا لاحظت أنه منذ بدء الخليقة وطبيعة الإنسان هي اللوم، واتهام الآخر كأنه المسئول عن التعب، فها هو آدم يقول: " الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ " (تكوين ٣: ١٢). في مرات كثيرة نقع في فخ اللوم. قد نلوم الرب بسبب قراءة خاطئة لمقاصده ومشيئته لنا، وقد نلوم الأصدقاء أو نلوم الوالدين، وقد نلوم الظروف وهكذا.
ولكن دعني أسال سؤال إذا كان الله هو مصدر التجارب والمتسبب فيها، كيف يتفق هذا مع طلبتنا المستمرة التي علمها يسوع لتلاميذه "لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ" (لوقا ١١: ٤).
إذن الله يمتحن ولكن لا يُحزن، امتحن إبراهيم ولكن أرسل له الإنقاذ (تكوين ٢٢)، الله صاحب الطبيعة المقدسة، الله الرحيم في سائر أعماله، والمحب والمتحنن كيف يُجرِبنا بالشرور، الرب الصالح قدوس إلى الأبد، النور وليس فيه ظلمة البتة، كيف يجرب الإنسان بأفكار مظلمة. كلا، ولاحظ معي أن تعبير " غَيْرُ مُجَرَّبٍ " ذُكر مرة واحدة هنا في رسالة يعقوب وهي إحدى صفات الرب التي لم تذكر في أي موضع أخر.
انتشر بين اليهود المؤمنين في ذلك الوقت تعليم خاطئ وهو أن الله هو المصدر المجرب بالشر، ولكن الحقيقة هي أن المُجرِّب هو إبليس (متى ٤: ١، ١تسالونيكي ٣: ٥، ١كورنثوس ٧: ٥). والمُخادع هو إبليس والكذاب هو إبليس. "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ".(يعقوب 1: 14)
كلمة "لكن" تقدم حقيقة ثابتة وهي أن كل إنسان (بالمفرد) لا يُعفى أبدًا من التجُّرب، فإبليس يحاول جاهداً منتهزاً فرصة وجود الطبيعة العتيقة في داخل كل واحد، وأن يثير الشخص داخلياً وخارجياً مستخدمـًا الأشياء التي في العالم من ملذات وإغراءات، وينجح أحيانـًا فيخرج من قلوب الناس الأفكار الشريرة، الزني والنجاسة... (مرقس ٧: ٢٠)، "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ.. "(غلاطية ٥: ١٩).
ما هي الشهوة؟ هي الرغبة القوية المُلِّـحة. مصدرها التمركز حول الذات (الأنا).. ولكن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الأهواء والشهوات (غلاطية ٥:٢٤).
أما تسلسل الأمور فيسير هكذا
من قلب الإنسان تخرج فكرة شريرة، ويبدأ الانجذاب المعثر لقوة الشهوة في استدراج الشخص للانحدار والوقوع في الخطية ولعل أكثر توضيح لهذا التسلسل هو ما وصفه سفر الأمثال (٧) إذ شبه الانجذاب للخطية والوقوع في شِباك الشهوة بالمرأة الزانية التي تغوي بكثرة فنونها (أمثال ٧: ٢١). وهنا في رسالة يعقوب كأن الإنسان مثل سمك لا يلتفت إلى الطُعم ولا يفطن إلى السنارة ولكنه حر الاختيار (تثنية ٣٠: ١٩). (لاحظ أن الكلمة الأصلية "انخدع" في اليونانية معناها "أكل الطُعم". يُخدع الإنسان بسبب تحايل الخطية وإلحاحها المستمر في إذنيه فيسقط، وإن كان حراً في الاختيار، ولكنه ليس حراً في اختيار النتائج المترتبة على اختياراته... فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا " (غلاطية ٦: ٨).

" ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا. " (عدد ١٥).
الشهوة المُلـٍّحة مثل الخلايا السرطانية المدمرة التي تتكاثر سريعاً وتنمو بلا انضباط، وهكذا الميول الغير منضبطة بالروح القدس تكثر متزايدة إلى أن تتشابك الخيوط معاً لتكون خطية فعلية. فإذا كان الميل غير إرادي فاستثماره شيء إرادي، فتجاوب الشخص مع الاقتراحات الشريرة واحتضانه إياها سيثمر نتائج تُـقيد الشخص وتؤثر على تكوينه الداخلي.. والعجيب استخدامه للفعل "تنتج" وهو يتحدث عن التشوه الخلقي الضخم للجنين.. فالخطية الخادعة التي تُعطي سعادة زائفة ومؤقتة هي كالسم في العسل. ومن ينخدع بها تاركاً إراداته مَلعبـًا مفتوحـًا للأفكار الشريرة سيُـقيد حتماً، ولا تنسى أن التصالح مع الخطية والترحيب بها يؤدي إلى موت روحي (أي انفصال) عن الله. " آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ " (إشعيا ٥٩: ٢)، ويختم يعقوب قائلاً: " لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. ". (يعقوب 1: 16)
باتضاع يضع يعقوب نفسه معهم جميعاً (الخادم والمخدومين) ينتسبون لعائلة واحدة " لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. ، فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ،" (أفسس ٥: ٣٠، ٢: ١٩)، لأنه من نفس العائلة لذا يحذرهم من تبـِّني عقيدة مدمرة وأكاذيب يُـروِّجها معلمين كذبة ألا وهي أن الله هو مصدر التجربة بالشر.. ويدعوهم يعقوب للتوقف عن هذا التيه والضلال.
أهم النقاط في هذا الجزء:
١. "حَاشَا للهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ". (أيوب ٣٤: ١٠).
٢. "لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا". (أيوب ٣٤: ١١، 12).
٣. ليست كل خطية تقيد ولكن الخطية التي يتصالح معها الإنسان
٤. الامتحان (test) والتجربة (temptation) هناك فرق كبير بين الاثنين. فالله قد يمتحننا ولكن لا يجربنا. التجربة هي فرصة لتحقيق شيء جيد بطرق سيئة: بمعنى أن تأكل ليس خطأ ولكن أن تخطط لسرقة الأكل هذا خطأ (تجربة) أو النوم ليس خطية ولكن الكسل والتراخي هو الخطية

أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
بعد قرائتك للدرس السابق، ابحث عن إجابة لهذه الأسئلة
  • قد تتحول الامتحانات الخارجية إلى تجارب داخلية تكشف عما في قلب الإنسان من تجاوب مع الخطية. اشرح من قراءتك (تكوين ١٢: ١ ـ ١٨، وخروج ١٥: ٢٢ ـ ٢٥).
  • توجد أسباب لغياب استجابات الصلاة منها ما جاء في دراستنا اليوم وما جاء في ما يلي من شواهد. اشرح: تثنية ١: ٤٥، مزمور ٦٦: ١٨، أمثال ١: ٢٤ ـ ٢٨، ٢٨: ٩، إشعياء ١: ١٥، إشعياء ٥٩: ٢، وميخا ٣: ٤، وزكريا ٧: 3، ١٣.
  • الشهوة هي الرغبة الشديدة الجامحة، ولكنها قد تأتي في أمور إيجابية فسر ذلك من قراءتك (لوقا ٢٢: ١٥، فيلبي ١: ٢٣، ١ تسالونيكي ٢: ١٧).
  • في قرائتك رسالة بطرس الثانية أصحاح ٢ حديث عن الخداع، أين هو.
  • "رابح النفوس حكيم" (أمثال11: 30)،  أين تجد في يعقوب ما يتفق مع هذا الجزء:  رابح النفوس الحكيم؟.

الشاهد الكتابي للصلاة والتأمل
"اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ." (فيلبي 2: 13)

يمكنك ارسال أي مشاركات أو استفسـارات إلى البريد الالكتروني:   salam_akeed@yahoo.com