رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس الثامـن
السـلوك المسيحي
"إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، " (يع 1: 19) لأن الإيمان الحقيقي مرتبط بكلمة الحق (الإنجيل)، يكمل يعقوب كلماته بربط ما قبل بما سيأتي مستخدماً (إذاً)، وكأنه يقول لنترك كلمة الله الحية الفعالة تعمل في داخلنا للحياة اليومية، فلا تصير المعرفة أمراً نظرياً فقط، ويستخدم تعبير " إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ " مرة ثانية لأنها تعطي إحساساً أنه في نفس العائلة، لا يتعالى عليهم وإن كان يأمر ويرشد ولكن كأنه مساوياً لهم، وهي مقدمة لطيفة تخفف من حدة أي توجيه أو توبيخ قادم.
نتوقف قليلاً عند المحبة الأخوية التي يُوصي بها الكتاب كثيراً، ونستعرض القليل من الكثير فيما يخص علاقاتنا مع الآخرين. ها هو بطرس يُعلم قائلاً: "وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا." (١بطرس ٤: ٨). وبولس كثيراً ما أوصى بذلك " وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ. " (أفسس ٤: ٣٢)، " اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ " (غلاطية ٦: ٢)، " لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ. " (١كورنثوس ١٦: ١٤). " وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ،... فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. " (رومية ١٢: ١٠، ١٥). ولعل كلمات الرب يسوع لتلاميذه هي أقوى تعبير عن طريق الشهادة والكرازة للعالم بالمحبة الأخوية. " هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ " (يوحنا 15: 12) " بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ " (يوحنا ١٣: ٣٥).
والنتيجة الحتمية للولادة الثانية هي اختلاف في سلوكنا: سيكون بحسب كلمة الله. والنصيحة موجهة لكل إنسان أي محتمة على كل مؤمن مهما كان عمره الإيماني.
ما المقصود بالإسراع في الاستماع؟؟ أصل الكلمة تعني الانتباه ، اليقظة. الاستعداد للاستقبال، استيعاب الرسالة المسموعة، ولأن العهد الجديد لم يكن قد كُتب بعد، فكان التنويه على ضرورة التركيز في سماع التعليم الذي كان يعتمد على المرسلين المسافرين. " فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ. " (١كورنثوس ١٤: ٢٦).
والبطئ في التكلم، لا يقصد البطء في طريقة الكلام ولكنها دعوة إلى:
١. ضبط الانفعالات المتسرعة، ٢. إعطاء الوقت الكافي لفهم وتقييم الأمور التي سُمعت، ٣. حماية كاملة ضد الانفعال غير الناضج وغير المعتدل. " مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ "،(أمثال 13: 3) " كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، "(أمثال 10: 19)، " بَطِيءُ الْغَضَبِ كَثِيرُ الْفَهْمِ " (أمثال ١٤: ٢٩).
الغضب: الانفعال الداخلي يُعبـَّر عنه بكلام طائش ومتهور قد يُعرض الآخرين للجروح أو إثارة الغيظ والحقد. والغضب كلمة أوسع من الوصف حاد الطباع أو سريع التهيُّج، فهو يشير إلى مشاعر مستمرة وقوية من السخط، والكلمة في الأصل اليوناني تشير إلى اتجاه عدواني مستمر، وخصومة مستمرة، وعن قصد. الغضب الإنساني هو انفعال فطري ولكن استمع إلى نصائح تخص الغضب. على الرغم أن الغضب في حد ذاته ليس خطية ولكن إذا تطور ولم يتحكم فيه الإنسان ويضبط انفعالاته بالروح القدس سيخطئ أكيد. " اَلْجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ، وَالْحَكِيمُ يُسَكِّنُهُ أَخِيرًا" (أمثال 29: 11) ، " الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ. " ( جامعة ٧: ٩).
" لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ. " (يعقوب 1: 20)
هنا تحذير أيضاً أن الغضب ليس هو الأداة التي تحقق الهدف، لأنه لا ينتهي نهاية روحية، مهما ظهر وتلون بلون الغيرة الدينية أو غيره من الأمور الحسنة فغضب الإنسان عكس بر الله. غضب الإنسان لا يمكن أن يُنشئ البر المقبول من الله. الغضب يغلق الطريق، ويستحيل أن يصنع البر الذي يرضي الله. و المفهوم الأسـاسي للبر في الكتاب المقدس هو البر الذي نناله بالإيمان بما قدمه لنا الرب يسـوع كعطية مجانية إذ "صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا " (١كورنثوس ١: ٣٠) و أيضـًا "أُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رومية 4: 25) و الذي ننال منه فيض النعمة وعطية البر. أما المقصد الثاني من استخدام كلمة البر فهو الثمر الصالح لبر الإيمان، أي الأعمال الصالحة التي تنتج نتيجة للإيمان مثل الثمار التي تملأ الشجرة بعد أن تنمو: ذلك هو ثمر البر وهذا ما يتكلم عنه يعقوب في هذا المقطع.
" لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ" (يعقوب 1: 21)
الله لا يُسر بأنصاف الأمور، فلا يرضى بنصف قداسة أو عرج بين الفرقتين، لذا يُوصي يعقوب قائلاً علينا أن نخلع كل أنواع القذارة (نجاسة: الكلمة استخدمت هنا فقط، وتشير حرفياً إلى الثياب المتسخة) أي كل عدم نقاوة وشر (خبث وعداوة) يؤذي الآخرين ويؤلمهم، أما كلمة اطرحوا فهو تعبير شائع يشير إلى التخلي عن أمور محببة "فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. "(رومية 13: 12)، " أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ.... وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ " ( أفسس ٤: ٢٢، 24) و أيضـًا كولوسي ٣: ٨ و ١بطرس ٢: ١.
خلاصة هذا الدرس:
وصايا للتعامل مع الآخرين:
- أعط فرص لمن يريد التكلم أن يعبر عما بداخله دون أن تقاطعه، استمع. افتح قلبك، ولا تتعجل في الرد. لأن "لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ" (جامعة ٣: ٧)، وقد ينشغل القلب بالصلاة أثناء استماعك لحديث الآخر.
- الله بطيء الغضب وعلينا أن نتعلم أن نتشـبه به
- ارفض التفكير في الشر "اخلع الثياب القذرة" واقبل الكلمة المغروسة
أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
- في مرقس ٣: ٥ غضب يسوع لماذا؟ ولأن يسوع "لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ " (١ بطرس 2: 22) ماذا تفهم إذن؟ هناك تعاليم كتابية كثيرة تحذر من الغضب. اكتبها من الشواهد الآتية (أفسس ٤، كولوس ٣، ١تيموثاوس ٢، أمثال ٢٥: ١٥)
- "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ" (إشعياء ٥٣: 11)، ما هو البر المتحدث عنه هنا، وهل هو نفس البر الذي تكلم عنه يعقوب، ما الفرق؟
الشاهد الكتابي للتأمل: " بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ" (إشعياء ٣٠: ١٥).
الصلاة الأسبوعية:
"وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ" (١تسالونيكي ٤: ١١).