دراسـة في رسالة يعقوب 8


رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس الثامـن
السـلوك المسيحي

"إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، " (يع 1: 19) لأن الإيمان الحقيقي مرتبط بكلمة الحق (الإنجيل)، يكمل يعقوب كلماته بربط ما قبل بما سيأتي مستخدماً (إذاً)، وكأنه يقول لنترك كلمة الله الحية الفعالة تعمل في داخلنا للحياة اليومية، فلا تصير المعرفة أمراً نظرياً فقط، ويستخدم تعبير " إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ " مرة ثانية لأنها تعطي إحساساً أنه في نفس العائلة، لا يتعالى عليهم وإن كان يأمر ويرشد ولكن كأنه مساوياً لهم، وهي مقدمة لطيفة تخفف من حدة أي توجيه أو توبيخ قادم.
نتوقف قليلاً عند المحبة الأخوية التي يُوصي بها الكتاب كثيراً، ونستعرض القليل من الكثير فيما يخص علاقاتنا مع الآخرين. ها هو بطرس يُعلم قائلاً: "وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا." (١بطرس ٤: ٨). وبولس كثيراً ما أوصى بذلك " وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ. " (أفسس ٤: ٣٢)، " اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ " (غلاطية ٦: ٢)، " لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ. " (١كورنثوس ١٦: ١٤). " وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ،... فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. " (رومية ١٢: ١٠، ١٥). ولعل كلمات الرب يسوع لتلاميذه هي أقوى تعبير عن طريق الشهادة والكرازة للعالم بالمحبة الأخوية. " هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ " (يوحنا 15: 12)  " بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ " (يوحنا ١٣: ٣٥).
والنتيجة الحتمية للولادة الثانية  هي اختلاف في سلوكنا: سيكون بحسب كلمة الله. والنصيحة موجهة لكل إنسان أي محتمة على كل مؤمن مهما كان عمره الإيماني.
ما المقصود بالإسراع في الاستماع؟؟ أصل الكلمة تعني الانتباه ، اليقظة. الاستعداد للاستقبال، استيعاب الرسالة المسموعة، ولأن العهد الجديد لم يكن قد كُتب بعد، فكان التنويه على ضرورة التركيز في سماع التعليم الذي كان يعتمد على المرسلين المسافرين. " فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ. " (١كورنثوس ١٤: ٢٦).  
والبطئ في التكلم، لا يقصد البطء في طريقة الكلام ولكنها دعوة إلى:
١. ضبط الانفعالات المتسرعة، ٢. إعطاء الوقت الكافي لفهم وتقييم الأمور التي سُمعت، ٣. حماية كاملة ضد الانفعال غير الناضج وغير المعتدل. " مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ "،(أمثال 13: 3) " كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، "(أمثال 10: 19)، " بَطِيءُ الْغَضَبِ كَثِيرُ الْفَهْمِ " (أمثال ١٤: ٢٩).
الغضب: الانفعال الداخلي يُعبـَّر عنه بكلام طائش ومتهور قد يُعرض الآخرين للجروح أو إثارة الغيظ والحقد. والغضب كلمة أوسع من الوصف حاد الطباع أو سريع التهيُّج، فهو يشير إلى مشاعر مستمرة وقوية من السخط، والكلمة في الأصل اليوناني تشير إلى اتجاه عدواني مستمر، وخصومة مستمرة، وعن قصد. الغضب الإنساني هو انفعال فطري ولكن استمع إلى نصائح تخص الغضب. على الرغم أن الغضب في حد ذاته ليس خطية ولكن إذا تطور ولم يتحكم فيه الإنسان ويضبط انفعالاته بالروح القدس سيخطئ أكيد. " اَلْجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ، وَالْحَكِيمُ يُسَكِّنُهُ أَخِيرًا" (أمثال 29: 11)  ، " الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ. " ( جامعة ٧: ٩).
" لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ. " (يعقوب 1: 20)
هنا تحذير أيضاً أن الغضب ليس هو الأداة التي تحقق الهدف، لأنه لا ينتهي نهاية روحية، مهما ظهر وتلون بلون الغيرة الدينية أو غيره من الأمور الحسنة فغضب الإنسان عكس بر الله. غضب الإنسان لا يمكن أن يُنشئ البر المقبول من الله. الغضب يغلق الطريق، ويستحيل أن يصنع البر الذي يرضي الله.  و المفهوم الأسـاسي للبر في الكتاب المقدس هو البر الذي نناله بالإيمان بما قدمه لنا الرب يسـوع كعطية مجانية إذ "صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا " (١كورنثوس ١: ٣٠) و أيضـًا "أُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رومية 4: 25) و الذي ننال منه فيض النعمة وعطية البر.  أما المقصد الثاني من استخدام كلمة البر فهو الثمر الصالح لبر الإيمان، أي الأعمال الصالحة التي تنتج نتيجة للإيمان مثل الثمار التي تملأ الشجرة بعد أن تنمو: ذلك هو ثمر البر وهذا ما يتكلم عنه يعقوب في هذا المقطع.  
" لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ" (يعقوب 1: 21)
الله لا يُسر بأنصاف الأمور، فلا يرضى بنصف قداسة أو عرج بين الفرقتين، لذا يُوصي يعقوب قائلاً علينا أن نخلع كل أنواع القذارة (نجاسة: الكلمة استخدمت هنا فقط، وتشير حرفياً إلى الثياب المتسخة) أي كل عدم نقاوة وشر (خبث وعداوة) يؤذي الآخرين ويؤلمهم، أما كلمة اطرحوا فهو تعبير شائع يشير إلى التخلي عن أمور محببة "فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. "(رومية 13: 12)،  " أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ.... وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ  " ( أفسس ٤: ٢٢، 24)  و أيضـًا كولوسي ٣: ٨ و ١بطرس ٢: ١.

خلاصة هذا الدرس:
وصايا للتعامل مع الآخرين:
  1. أعط فرص لمن يريد التكلم أن يعبر عما بداخله دون أن تقاطعه، استمع. افتح قلبك، ولا تتعجل في الرد. لأن "لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ" (جامعة ٣: ٧)، وقد ينشغل القلب بالصلاة أثناء استماعك لحديث الآخر.
  2. الله بطيء الغضب وعلينا أن نتعلم أن نتشـبه به
  3. ارفض التفكير في الشر "اخلع الثياب القذرة" واقبل الكلمة المغروسة

أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
  1. في مرقس ٣: ٥ غضب يسوع لماذا؟ ولأن يسوع "لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ " (١ بطرس 2: 22) ماذا تفهم إذن؟ هناك تعاليم كتابية كثيرة تحذر من الغضب. اكتبها من الشواهد الآتية (أفسس ٤، كولوس ٣، ١تيموثاوس ٢، أمثال ٢٥: ١٥)
  2. "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ" (إشعياء ٥٣: 11)، ما هو البر المتحدث عنه هنا، وهل هو نفس البر الذي تكلم عنه يعقوب، ما الفرق؟

الشاهد الكتابي للتأمل:   " بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ"  (إشعياء ٣٠: ١٥).
الصلاة الأسبوعية:
"وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ" (١تسالونيكي ٤: ١١).
يمكنك ارسال أي مشاركات أو استفسـارات إلى البريد الالكتروني:   salam_akeed@yahoo.com

دراسـة في رسالة يعقوب 7


رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس السابع
الاصحاح الأول

"فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!" (متى 7: 11)
الله أبونا، الذي يشبع بالخير عمرنا (مزمور ١٠٣: ٥)، الذي لا يمنع خيراً عن السالكين بالكمال (مزمور ٨٤: ١١)، الذي يعطي الجميع بسخاء، الذي يفتح يديه فيشبع كل حي من رضاه (مزمور ١٤٥: ١٦).
"كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ." (يعقوب 1: 17)
أول مرة بل هي المرة الوحيدة التي يُسمى فيها الله "أبي الأنوار" وكلمة "الأنوار" هي الأجسام السماوية المضيئة، الله هو أبونا، هو أبو الرأفة (٢كورنثوس ١: ٣)، أبو المجد (أفسس ١: ١٧). أبو الأرواح (عبرانيين ١٢: ٩)، الله أبونا (أفسس ٤: ٦)، حقاً هو مصدر الأنوار أيضاً، فهو نور وليس فيه ظلمة البتة (١يوحنا ١: ٥)، هو خالق الأنوار، النورين العظيميين (مزمور ١٩: ١، ١٣٦: ٧)، هذه الأنوار متغيرة في قوة سطوعها وحركتها. لذا حين استخدم يعقوب تعبير "أبي الأنوار" فقد أصاب الهدف في وصفه للثبات وعدم التغيير في شخص الله، فهو ينفي مستخدماً (ليس) الحقيقة بل إمكانية حدوثها أيضاً، فلا تغيير في صلاح الله، لا تغيير في أمانته وقدرته، وكلمة "تغيير" ذُكرت هنا فقط للإشارة للضوء المتغير المنبعث من الشمس والقمر، لا تغيير ولو طفيف في طبيعته المميزة، هو اللابس النور (مزمور١٠٤: ٢)، الساكن في نور لا يُدنى منه (١تيموثاوس ٦: ١٦).
واحدة من أهم أكاذيب العدو أن الله أبونا يمنع عنا الخير لأنه لا يحبنا، ولا يهتم ولا يعتني بنا. حين اقترب من حواء شوّه الحقيقة أو بادرها بتشكيك في محبة الله "لو كان الله يحبكما لما منعكم من الأكل؟؟ وجرب يسوع "إن كنت ابن الله..."
الله هو أبونا الصالح لذا نحن لا نحتاج أي شخص آخر أن يُسدد لنا أعوازنا. ولأنه مصدر العطايا، والمواهب الصالحة فيستحيل أن يُجرب بالشرور.
وللدارس أن يلاحظ أن أصل الكلمتين "عطية. موهبة" يعطي معنى العطاء من شخص مُسرِف في عطائه والعطية والموهبة صالحة (مفيدة)، وتامة (نافعة) في تأثيرها، ولا ينقصها شيء لإفادة ونفع مستقبليها.
هذا الإله أبونا يُسـَّر ويُـسرِّف في عطائه، هو مصدر الخير، من يعطي عطايا ومواهب، وهو المصدر المستمر لها (نازلة)، والعطية والموهبة تصمم في السماء وتستعلن في الأرض.

ما المقصود بالتعبير " َليْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ."
  • ليس: تنفي، ولكنها لا تنفي الحقيقة فقط ولكن إمكانية حدوثها أيضاً.
  • أما تغيير: ذُكر هذا الفعل هنا مرة واحدة وتشير لتغيير وضع أو شكل معين، فلا تغيير في صلاح الله، وإحساناته أبداً.
  • والظل: الذي يحدث بالدوران أيضاً ذكر مرة واحدة، فقط هنا وهي تستخدم في وصف حركة الأجسام السماوية من مكان لآخر
فالحقيقة هي أن الله ثابت لا يتغير
" شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ. " (يعقوب 1: ١٨).
كما ذكرنا سالفـًا فإن الخطية تلد موتـًا، ولأن الله أبونا أبو الرأفة لم يرد أن يُبقي خليقته الساقطة تحت حكم الموت إلى النهاية، فبحريته وملئ مشيئته يريد أن يخلصنا، فهو لا يُـسر بموت الخاطئ مثلما يرجع وتحيا نفسه (حز ١٨: ٢٣)، وهو يريد أن الجميع يخلصون (١تيموثاوس ٢: ٤)، يسوع هو الكلمة "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ.." (يوحنا ١: ٢)، وهو الحق وكلامه حق (يوحنا ١٤: ٦).
إذن مشيئة الرب هي خلاصنا.
ولأن الطبيعة القديمة الساقطة غير قابلة للتحسن كما يقول في سفر إرميا " هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ " (إرميا ١٣: ٢٣).
فلا يصير الخاطئ ابن الله، وله حياة جديدة وأبدية مضمونة إلا من خلال الولادة الجديدة. " وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ." (يوحنا 1: 12) (بكلمة الحق). فالخاطئ يولد من الروح القدس حينما يؤمن بالرب يسوع، وبما فعله على الصليب. والروح القدس يستخدم كلمة الله في إعلان الحق لإحداث الولادة الثانية " أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. (١كورنثوس٤: ١٥)، "مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَد" (١بطرس ١: ٢٣، ٢٥). الكلمة هي أداة الولادة الإلهية، الروح القدس هو روح الحق (يوحنا ١٦: ١٣)، ويعقوب يقول كلمة الحق. إذن روح الحق يعلن الحق والحق يجعل الإنسان يتوب ويؤمن، والإيمان يأتي له بالميلاد الجديد.

ما هو الغرض من الولادة الجديدة؟
هدف الله هدف مجيد أن نكون باكورة من خلائقه، صرنا شركاء في الميراث (أفسس ٣: ٦)، شركاء في الخلود (٢تيموثاوس ١: ١٠)، والباكورة هي للرب، كانت تُـقدّم قبل أن يُستخدم النتاج الباقي في الأغراض العادية (لاويين ٢٣: ٩ ـ ١١، تثنية ١٨: ٤)، والكلمة "باكورة" لها دلالة ومعنى جميل في أذهان اليهود المؤمنين إذ قدم نفسه قرباناً وذبيحة لنكون نحن باكورة أيضـًا مخصصين. المسيح هو البكر بين أخوة كثيرين له.

أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
بعد قرائتك للدرس السابق، ابحث عن إجابة لهذه الأسئلة
  • ذكر الكتاب المقدس العديد والعديد من العطايا الصالحة البعض منها في هذه الشواهد، ابحث عنها (إشعياء ٥٤: ٤، ٥، إرميا ٢٤: ٧، حزقيال ١١: ١٩، متى ١١: ٢٨، ولوقا ١١: ١٣، ويوحنا ١٠: ٢٨).
  • ذكرنا هنا أحد أسماء الله أبونا "أبي الأنوار". اكتب بعض الأسماء الأخرى من هذه الشواهد (تكوين ١٧: ١، مزمور ٧١: ٢٢، ١صموئيل ١: ١١، تثنية ٣٢: ٨، ١أخبار الأيام ٢٩: ١٠).
  • هناك أسماء ذكرها بولس أنها باكورة من هم وأين كانوا (رومية ١٦، ١كورنثوس ١٦).
يمكنك ارسال أي مشاركات أو استفسـارات إلى البريد الالكتروني:   salam_akeed@yahoo.com


دراسـة في رسالة يعقوب 6


رسالة يعقوب" الطريق إلى النضج الروحي"
الدرس السادس
الاصحاح الأول

"لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ." (عبرانيين 4: 15)  "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عبرانيين 7: 26)
بعد أن تناول يعقوب في الأعداد السابقة ضرورة أن يجتاز المؤمن بامتحانات متنوعة لأجل تقوية الإيمان والتنقية والنضج الروحي ينتقل إلى مقطع آخر يريد التأكيد فيه على حقيقة هامة ترفض الفكر الشائع حين ذاك، وهي أن الله القدوس قد يُجرب بالشرور " لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا." (عدد ١٣). تبدأ العبارة بأداة النفي (لا) يتبعه فعل أمر في المضارع (لا تقل) وهذا يعني الرفض المطلق لفكرة أن الله مُجرِّب، حتى لو استمرت التجربة، (أني أُجرب) وفي ترتيب الجملة في اللغة اليونانية التي كُتبت بها الرسالة إشارة إلى أن الله ليس هو المصدر المباشر للتجربة.
كان هناك اتهام يخرج من البعض أحيانا، وكأن الله هو الفاعل الواقف وراء التجربة أو المتسبب فيها، وإذا لاحظت أنه منذ بدء الخليقة وطبيعة الإنسان هي اللوم، واتهام الآخر كأنه المسئول عن التعب، فها هو آدم يقول: " الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ " (تكوين ٣: ١٢). في مرات كثيرة نقع في فخ اللوم. قد نلوم الرب بسبب قراءة خاطئة لمقاصده ومشيئته لنا، وقد نلوم الأصدقاء أو نلوم الوالدين، وقد نلوم الظروف وهكذا.
ولكن دعني أسال سؤال إذا كان الله هو مصدر التجارب والمتسبب فيها، كيف يتفق هذا مع طلبتنا المستمرة التي علمها يسوع لتلاميذه "لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ" (لوقا ١١: ٤).
إذن الله يمتحن ولكن لا يُحزن، امتحن إبراهيم ولكن أرسل له الإنقاذ (تكوين ٢٢)، الله صاحب الطبيعة المقدسة، الله الرحيم في سائر أعماله، والمحب والمتحنن كيف يُجرِبنا بالشرور، الرب الصالح قدوس إلى الأبد، النور وليس فيه ظلمة البتة، كيف يجرب الإنسان بأفكار مظلمة. كلا، ولاحظ معي أن تعبير " غَيْرُ مُجَرَّبٍ " ذُكر مرة واحدة هنا في رسالة يعقوب وهي إحدى صفات الرب التي لم تذكر في أي موضع أخر.
انتشر بين اليهود المؤمنين في ذلك الوقت تعليم خاطئ وهو أن الله هو المصدر المجرب بالشر، ولكن الحقيقة هي أن المُجرِّب هو إبليس (متى ٤: ١، ١تسالونيكي ٣: ٥، ١كورنثوس ٧: ٥). والمُخادع هو إبليس والكذاب هو إبليس. "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ".(يعقوب 1: 14)
كلمة "لكن" تقدم حقيقة ثابتة وهي أن كل إنسان (بالمفرد) لا يُعفى أبدًا من التجُّرب، فإبليس يحاول جاهداً منتهزاً فرصة وجود الطبيعة العتيقة في داخل كل واحد، وأن يثير الشخص داخلياً وخارجياً مستخدمـًا الأشياء التي في العالم من ملذات وإغراءات، وينجح أحيانـًا فيخرج من قلوب الناس الأفكار الشريرة، الزني والنجاسة... (مرقس ٧: ٢٠)، "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ.. "(غلاطية ٥: ١٩).
ما هي الشهوة؟ هي الرغبة القوية المُلِّـحة. مصدرها التمركز حول الذات (الأنا).. ولكن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الأهواء والشهوات (غلاطية ٥:٢٤).
أما تسلسل الأمور فيسير هكذا
من قلب الإنسان تخرج فكرة شريرة، ويبدأ الانجذاب المعثر لقوة الشهوة في استدراج الشخص للانحدار والوقوع في الخطية ولعل أكثر توضيح لهذا التسلسل هو ما وصفه سفر الأمثال (٧) إذ شبه الانجذاب للخطية والوقوع في شِباك الشهوة بالمرأة الزانية التي تغوي بكثرة فنونها (أمثال ٧: ٢١). وهنا في رسالة يعقوب كأن الإنسان مثل سمك لا يلتفت إلى الطُعم ولا يفطن إلى السنارة ولكنه حر الاختيار (تثنية ٣٠: ١٩). (لاحظ أن الكلمة الأصلية "انخدع" في اليونانية معناها "أكل الطُعم". يُخدع الإنسان بسبب تحايل الخطية وإلحاحها المستمر في إذنيه فيسقط، وإن كان حراً في الاختيار، ولكنه ليس حراً في اختيار النتائج المترتبة على اختياراته... فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا " (غلاطية ٦: ٨).

" ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا. " (عدد ١٥).
الشهوة المُلـٍّحة مثل الخلايا السرطانية المدمرة التي تتكاثر سريعاً وتنمو بلا انضباط، وهكذا الميول الغير منضبطة بالروح القدس تكثر متزايدة إلى أن تتشابك الخيوط معاً لتكون خطية فعلية. فإذا كان الميل غير إرادي فاستثماره شيء إرادي، فتجاوب الشخص مع الاقتراحات الشريرة واحتضانه إياها سيثمر نتائج تُـقيد الشخص وتؤثر على تكوينه الداخلي.. والعجيب استخدامه للفعل "تنتج" وهو يتحدث عن التشوه الخلقي الضخم للجنين.. فالخطية الخادعة التي تُعطي سعادة زائفة ومؤقتة هي كالسم في العسل. ومن ينخدع بها تاركاً إراداته مَلعبـًا مفتوحـًا للأفكار الشريرة سيُـقيد حتماً، ولا تنسى أن التصالح مع الخطية والترحيب بها يؤدي إلى موت روحي (أي انفصال) عن الله. " آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ " (إشعيا ٥٩: ٢)، ويختم يعقوب قائلاً: " لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. ". (يعقوب 1: 16)
باتضاع يضع يعقوب نفسه معهم جميعاً (الخادم والمخدومين) ينتسبون لعائلة واحدة " لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. ، فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ،" (أفسس ٥: ٣٠، ٢: ١٩)، لأنه من نفس العائلة لذا يحذرهم من تبـِّني عقيدة مدمرة وأكاذيب يُـروِّجها معلمين كذبة ألا وهي أن الله هو مصدر التجربة بالشر.. ويدعوهم يعقوب للتوقف عن هذا التيه والضلال.
أهم النقاط في هذا الجزء:
١. "حَاشَا للهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ". (أيوب ٣٤: ١٠).
٢. "لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا". (أيوب ٣٤: ١١، 12).
٣. ليست كل خطية تقيد ولكن الخطية التي يتصالح معها الإنسان
٤. الامتحان (test) والتجربة (temptation) هناك فرق كبير بين الاثنين. فالله قد يمتحننا ولكن لا يجربنا. التجربة هي فرصة لتحقيق شيء جيد بطرق سيئة: بمعنى أن تأكل ليس خطأ ولكن أن تخطط لسرقة الأكل هذا خطأ (تجربة) أو النوم ليس خطية ولكن الكسل والتراخي هو الخطية

أسئلة للبحث والدراسة الشخصية:
بعد قرائتك للدرس السابق، ابحث عن إجابة لهذه الأسئلة
  • قد تتحول الامتحانات الخارجية إلى تجارب داخلية تكشف عما في قلب الإنسان من تجاوب مع الخطية. اشرح من قراءتك (تكوين ١٢: ١ ـ ١٨، وخروج ١٥: ٢٢ ـ ٢٥).
  • توجد أسباب لغياب استجابات الصلاة منها ما جاء في دراستنا اليوم وما جاء في ما يلي من شواهد. اشرح: تثنية ١: ٤٥، مزمور ٦٦: ١٨، أمثال ١: ٢٤ ـ ٢٨، ٢٨: ٩، إشعياء ١: ١٥، إشعياء ٥٩: ٢، وميخا ٣: ٤، وزكريا ٧: 3، ١٣.
  • الشهوة هي الرغبة الشديدة الجامحة، ولكنها قد تأتي في أمور إيجابية فسر ذلك من قراءتك (لوقا ٢٢: ١٥، فيلبي ١: ٢٣، ١ تسالونيكي ٢: ١٧).
  • في قرائتك رسالة بطرس الثانية أصحاح ٢ حديث عن الخداع، أين هو.
  • "رابح النفوس حكيم" (أمثال11: 30)،  أين تجد في يعقوب ما يتفق مع هذا الجزء:  رابح النفوس الحكيم؟.

الشاهد الكتابي للصلاة والتأمل
"اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ." (فيلبي 2: 13)

يمكنك ارسال أي مشاركات أو استفسـارات إلى البريد الالكتروني:   salam_akeed@yahoo.com